لا أعرف كيف بدأ الأمر، كل ما أتذكره أنني سمعت صوته ذات مساءٍ هادئ، وكان كل شيء حولي صاخبًا إلا هو. لم أكن أبحث عن أغنية، كنت أبحث عن شيء يشبهني، فوجدتني في صوته.
كاظم الساهر ليس مجرد مغنٍ، هو حالة شعورية كاملة. حين يغني، لا تسمعه فقط، بل تتورط معه. تجد نفسك فجأة في منتصف قصيدة لم تكتبها، لكنها تحكيك. صوته لا يمرّ عابرًا، بل يسكن. يختار الكلمات بعناية من يعرف قيمة ما يُقال، ويُلبسها لحنًا كأن النغمة كُتبت لها وحدها.
في أغنياته، هناك امرأة دائمًا. امرأة ليست عادية، بل تشبه ليلى، أو ربما هي ليلى. تلك التي نسمعها ولا نراها، نشتاق إليها ولا نعرفها، لكنها حاضرة في كل تفاصيل أغانيه. مرةً تكون قوية لا تُقهر، ومرةً هشة تُبكينا من شدّة رقّتها. وبين هاتين الصورتين، يقف كاظم، يغنيها كأنها الوطن، لا الحبيبة فقط.
أحبه لأنه لا يُساوم على فنه. لأنه صادق، حتى حين يتألم. لا يركض وراء ضوء الكاميرا، بل وراء الضوء الداخلي للأغنية. ما زال حتى اليوم يقف على المسرح كأنه يعتلي القصيدة لأول مرة، بكامل التوتر، بكامل الحُب.
وفي زمنٍ يتغير فيه كل شيء بسرعة، يبقى كاظم كما هو: الملاذ الأخير لكل من تعب من الزيف، واشتاق لصوتٍ يصدق، لحنٍ يُبكي، وكلمةٍ تُشبه القلب.