كاظم والشعر .. صوت يليق بالقصيدة

21 يونيو 2025
ليلى
كاظم والشعر .. صوت يليق بالقصيدة

لم يكن كاظم الساهر أول من غنى القصيدة، لكنه في نظر كثيرين، أول من جعل الناس تحبها، ليس سهلًا أن تجعل الجمهور يحفظ أبيات نزار قباني عن ظهر قلب، ويغنيها في سيارته، ويهديها لمن يحب، القصيدة في الغناء كانت يومًا ما ترفًا، حتى جاء كاظم، وجعل الشعر عادة يومية، وصوتًا مألوفًا في البيوت.


ما يميز كاظم ليس فقط صوته أو ألحانه، بل طريقته في احترام الكلمة، هو لا يتعامل مع القصيدة كمجرد كلمات تلحن، بل كنص له شخصية وكرامة، ينصت لها أولًا، ثم يحتويها بهدوء، يُلائمها، يراعي إيقاعها، ويترك لها المساحة لتتكلم، لهذا السبب؛ لا تشعر وأنت تسمعه أنه يغني، بل كأنه ينقل مشاعر شخص آخر بأمانة تامة.


فحين لحن قصائد مثل “زيديني عشقًا” و”إني خيرتكِ” و "مدرسة الحب"، لم يقدم مجرد أغنية، بل حالة فنية متكاملة، مزج فيها بين النص، والصوت، واللحن، والتعبير المسرحي، ليخرج الجمهور من الحفلة أو من الأغنية وهو يشعر بأنه عاش شيئًا صادقًا؛ هذا ما جعله ينجح في تلحين قصائد معقدة لغويًا وعاطفيًا، دون أن يجردها من معناها أو يرهق المستمع بها.


لم يكن التحدي في القصائد الطويلة فحسب، بل في القدرة على الحفاظ على روح الشِعر في قالبٍ غنائي، لا يقتله التكرار، ولا تفسده الإيقاعات السريعة، كان يرى أن الكلمة هي الأصل، وأن اللحن يجب أن يبنى حولها، لا العكس، ولهذا السبب؛ تبقى أعماله حاضرة رغم تغير أذواق الأجيال.


ولهذا قال الشاعر الكبير نزار قباني:

"عندما غنى كاظم الساهر أشعاري ضمن لي كرسيًا في كل العصور."


ولم يتوقف القيصر عند تلحين قصائد غيره، بل امتد إلى أبعد من ذلك، حيث كتب أول قصائده في عام 2021م بعنوان: "الحياة"، وكتب بعدها قصيدة "يا قلب" ضمن ألبوم مع الحب في 2024م، ولم يكن كاظم الساهر المغني فقط، بل كان الشاعر والملحن أيضًا، ففي الشعر العربي تعد القافية جزءًا أساسيًا من البناء الصوتي والدلالي، فاختيار القيصر في قصيدته يا قلب لحرف القاف قافيةً ليس مجرد قرار موسيقي، بل اختيار شعوري واعٍ، فالنقاد يرون أن هذا الحرف، وهو من الحروف الحلقية الجهورية، يحمل في نطقه توترًا داخليًا وشحنة وجدانية عالية، القاف ليس حرفًا ناعمًا، بل فيه شدة، واحتكاك، وصوت داخلي كأنه خارج من صدر متعب؛ لذلك حين يقول: يا قلبُ إنّي مرهقُ / في كأسِ ماءٍ أغرق، لا يتكرر الحرف لخلق جرس موسيقي فحسب، بل ليكرر حالة الإنهاك ذاتها، كأن التكرار بالصوت يعيد الشعور نفسه، ويغلق على المستمع دائرة من التعب لا يستطيع الخروج منها.